الموسم الأول عنوان الموضوع

الإصلاح الإداري والثقافي




إصلاحاته الإدارية
من بين الألقاب التي حملها السلطان سليمان، لقب " القانوني". فقد قام بعمل كبير على مستوى إصلاح المنظومة القانونية للإمبراطورية العثمانية. حيث كان القانون السائد في الإمبراطورية هو الشريعة الإسلامية، ولكن أيضا كان هناك قانون تشريع قانوني يدعى "قانون سليمان"، والذي كان يهم أساسا القانون الجنائي، الجبائي والعقاري. وقد عمد السلطان سليمان القانوني إلى جمع كل القوانين التي كانت سارية في عهد السلاطين التسعة سابقيه، كما عمل على تنقيحها من التكرار والتناقض، وتدعيمها بإصلاحات ضرورية، تماشيا مع التطور السريع الذي كانت تعرفه الإمبراطورية العثمانية، حريصا في الوقت نفسه على جمعها في مدونة جامعة، متطابقة مع الشريعة الإسلامية، وأطلق عليها إسم " قانون السلطان سليمان".

وفي إطار إصلاحاته، فقد أعطى السلطان سليمان القانوني اهتماما خاصا للرعايا المسيحيين العاملين في أراضي العثمانيين، حيث طبق قانون الرعايا الذي يضبط الجبايات والضرائب التي يدفعونها. وعبر تطبيق "قانون سليمان"، حرص السلطان سليمان القانوني على حماية اليهود الموجودين في الإمبراطورية، فضلا عن الحد من الحالات التي تتطلب القصاص أو التشويه. وأخيرا فقد أرسى لائحة من الغرامات والجبايات محددة بآجال مضبوطة.

وعلى المستوى التعليمي، فقد عمل السلطان سليمان على زيادة عدد أماكن التربية والتكوين، وعمل على تطويرها، وتجهيزها بمختلف المرافق الضرورية والتي ظلت مفتوحة في وجه العموم.

الموروث الثقافي للسطان سليمان
خلال فترة حكم السلطان سليمان الأول، استطاعت الإمبراطورية العثمانية أن تدخل العصر الذهبي في المجال الثقافي، حيث أنه بفضل مؤهلاته الكبيرة ولمساته الفنية الملحوظة، تمكنت الإمبراطورية من بناء وتكوين إرث ثقافي وفني كبير ومتنوع، وذلك خلافا للفترات التي سبقته، والتي تميزت بتأثرها الكبير بالثقافة الفارسية. فمن مجال الشعر إلى النحت والصباغة والهندسة والفن التشكيلي، وغيرها من المجالات، كانت كل الفنون والثقافات ذات مكانة.

لقد كان السلطان سليمان الأول شاعرا متمكنا، وكان كاتب أشعار بالفارسية والتركية. ومن بين الشعراء الذين اشتهروا في عصره، هناك اسمين اثنين، وهما : فوزولي وباكي.

لقد كانت عدة ورشات فنية تدعى "أهل الحرف" في عهد السلطان سليمان، تسير مباشرة من طرف قصر السلطان، وكانت تجمع العديد من الحرفيين والمهنيين، من حرفيي الصباغة، صياغة المجوهرات، الفن التشكيلي، وغيرهم، حيث كانت هذه الورشات تسير كمقاولات، وتخول فرص التكوين والتطوير المهني، كما أن الأجور كانت مرتفعة، لقاء ما كانوا يقومون به من مجهودات، وظروف العمل كانت بدورها مناسبة ومشجعة، وتستقطب كبار الحرفيين في الإمبراطورية العثمانية، وكذلك في مختلف بقاع العالم الإسلامي وأوروبا.

وكانت نتيجة هذا العمل والمجهودات المبذولة، أن حصلت الإمبراطورية على ثمار جيدة، تجلت من خلال تنوع وغنى الثقافات، الأوروبية، التركية والإسلامية في تلك الفترة.

ولم يكن مجال الهندسة في معزل عن التقدم والتطور الذي أرساه السلطان سليمان القانوني، بل إن أماكن وآثارا عدة استفادت من ثورة هندسية ملحوظة، ففي مدينة اسطنبول أرسى بنيات عمرانية وتحتية مهمة، كالقناطر والمساجد ومؤسسات اجتماعية أخرى، بمساعدة من مهندس كبير كان يدعى سينان، والذي واكب إنجاز العديد من الآثار العثمانية، من بينها المسجد العثماني لإسطنبول، والمسجد العثماني لأدرنة. كما أمر السلطان أيضا بترميم وتأهيل عدة مواقع أخرى كقبة الصخرة، وأسوار القدس، إضافة إلى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة.

إرثه
بعد وفاة السلطان سليمان، تسلم ابنه سليم الثاني مقاليد الحكم في الإمبراطورية الشاسعة.
ففي المجال العسكري، مكنت فتوحات السلطان سليمان في أهم المدن الإسلامية، كمكة والمدينة والقدس ودمشق وبغداد، وأراضي شاسعة من إفريقيا، إضافة إلى مقاطعات من البلقان، من إحكام قبضة العثمانيين، ومنحتهم توسعات في مناطق عدة، حيث كانت الإمبراطورية على قدر كبير من القوة العسكرية، خصوصا في آسيا وأوروبا، كما أنها كانت تشكل تهديدا مستمرا بالنسبة للفرس والأوروبيين.

وبالإضافة إلى المجال العسكري، فقد خلف السلطان سليمان إرثا متنوعا، خصوصا في المجال الاجتماعي، حيث كانت الساكنة العثمانية تعيشا أوضاعا اجتماعية جيدة، كما أن الإمبراطورية كانت تتمتع بأوضاع اقتصادية وغذائية وفلاحية مريحة في كل أرجائها.
وفي المجال التشريعي، ضمنت الإصلاحات التشريعية والقانونية التي أرساها حكم السلطان سليمان، صيرورة سليمة للإمبراطورية بعد وفاته، وكانت سببا في كثير من النجاحات لأجيال متعاقبة.

وختاما، في المجال الثقافي والفني، فقد كان السلطان سليمان رائد العصر الذهبي العثماني، سواء على المستوى الهندسي، الثقافي، الأدبي، التشكيلي والفلسفي. وإلى يومنا هذا لازالت أعمال المهندس الخاص بالسلطان سليمان، المهندس سينان، تشكل طابعا مميزا في عدة مواقع، سواء في مضيق البوسفور، أو عدة مدن تركية، ومدن عريقة عثمانية أخرى. ومن بين هذه المواقع أيضا، المسجد السليماني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق